-A +A
عادل بترجي
طالب التعليم العام هو الشريحة الأكبر من المجتمع المستهدف ببرامج التحول إلى المجتمع المعرفي، لعدة أسباب من أهمها كون هذه الشريحة تمثل خمس المجتمع، ولكونها التي سوف توجه حركة المجتمع في المستقبل؛ لذلك تركز استراتيجية التحول إلى المجتمع المعرفي، في البرامج الموجهة للطلاب عموما على جانبين رئيسين: الأول اكتساب المهارات المعينة على مواجهة تحديات العصر، والتي منها تحقيق أهداف الاستراتيجية، والثاني التركيز على التقنية، وكل ما يتعلق بها من الاهتمام بالعلوم الطبيعية والرياضيات، وعلوم الحاسب، ورعاية الموهبة، والقدرة على الابتكار.
بذل آلاف التربويين والباحثين، ورجال الأعمال، والصناع مئات الساعات في الدراسة والبحث والتفكير؛ للتوصل إلى مفهوم موحد لمهارات القرن الحادي والعشرين، ولقد تكونت إثر ذلك مؤسسات تربوية غير هادفة للربح، عملت على صياغة ذلك المفهوم الموحد؛ ليكون سهل التطبيق والدمج، ضمن المناهج الأساسية في التعليم العام، مما أنتج مجموعة كبيرة من البرامج التي يمكن تطبيقها في الصف. بداية صنفت المهارات المطلوبة لمواجهة تحديات العصر ـ والتي منها كما أسلفت التحول إلى المجتمع المعرفي ـ إلى ثلاثة مجالات رئيسة: الأول يختص بمهارات التعلم والابتكار، والثاني بمهارات المعلومات ووسائط الإعلام والتكنولوجيا، والثالث بالمهارات الحياتية والمهنية. يتضمن الفرع الأول: مهارات الابتكار والإبداع، والتفكير الناقد، وحل المشكلات، والتواصل والعمل التعاوني؛ وهو بذلك يهيئ المتعلم للتعامل مع حياة ومناخ عمل متزايدين في التعقيد. ولما تخللت الحياة العصرية وسيرتها وسائط التقنية والإعلام، وميزتها الوفرة الهائلة في المعلومات ووسائط التقنية والقدرة على التعاون، والمساهمة الفردية، كل ذلك على نطاق ومقياس غير مسبوقين؛ فإن المجال الثاني يشمل: الإلمام بوسائط المعلومات على تعدد وكثرة أنواعها، وكيفية التعامل مع وسائط الإعلام بأنواعها المتعددة، والإلمام بالتقنية التي تخص وسائط المعلومات والإعلام لكي يتمكن الطالب ـ الذي سيكون مواطن وعامل المستقبل ـ من مواجهة تحديات العصر. كما أن تحديات القرن الحادي والعشرين، وما أضافه ذلك من تعقيد في مجال الأعمال يتطلب التمكن، ليس فقط من مهارات التفكير المتقدمة والمحتوى المعرفي، بل يتعداه إلى مهارات حياتية أخرى ضرورية، ليتمكن الطلاب من الإبحار في خضم الحياة ومجالات الأعمال المعقدة وسط منافسة عالمية؛ لذا يتضمن المجال الثالث هذا النوع من المهارات الحياتية التي تشمل: القدرة على المرونة والتكيف، والمبادرة والتوجيه الشخصيين، مهارات التواصل الاجتماعي والتواصل عبر مجتمعات أخرى، التمكن من الإنتاجية والالتزام بالمرجعية، ومهارات القيادة وتحمل المسؤولية.

ويطلب تطبيق المفهوم المتفق عليه دمج المهارات المذكورة في المنهج ككل، وفي كل مادة من مواده الأساسية، والتي منها علوم اللغتين العربية والإنجليزية، الأدب والقراءة، اللغات العالمية الصاعدة، مثل اللغة الصينية، الفن بفروعه المختلفة، الرياضيات، العلوم الطبيعية، علم الاقتصاد، العلوم الإنسانية، والتي منها: التاريخ، والجغرافيا، والعلوم السياسية، وأساليب الحكم والمواطنة. كما يتطلب التطبيق وجود منظومة من البرامج المساندة، التي تساعد الطلاب على إتقان القدرات المتعددة الأبعاد المطلوب منهم تعلمها. تشمل منظومة البرامج المساندة: معايير القرن الحادي والعشرين المتفق عليها، أدوات تقييم مهارات القرن الحادي والعشرين، مناهج القرن الحادي والعشرين، التطوير المهني للقرن الحادي والعشرين، والمناخ التعليمي الملائم للقرن الحادي والعشرين.
لقد بينت على مدى عدة أسابيع، وبأسلوب موجز مبسط جانبا واحدا فقط من جوانب استراتيجية التحول إلى المجتمع المعرفي؛ ذاك الذي يخص التربية والتعليم، مع وجود العديد من الاستراتيجيات الرئيسية التي تخص قطاعات أخرى من المجتمع، ولابد أنه قد اتضح للقارئ أن التحول المطلوب سيكون شاقا، ويستوجب التجاوب الفعال من كل قطاعات المجتمع. إن المكسب الحقيقي من التحول إلى المجتمع المعرفي، هو تكوين رأس مال بشري يغني عن الاعتماد على الموارد الطبيعية الآخذة في النضوب سريعا. ولعل النتائج التي نراها حقيقة ملموسة في مجتمعات سبقتنا في هذا الطريق ـ ماليزيا، كوريا الجنوبية، سنغافورة ـ تدل على أن التحقيق ممكن، والمكسب يستحق العمل الشاق، والصبر عليه.